11 ديسمبر

1974

عملية الشهيد غسان كنفاني في سينما حين " تل أبيب"



في ذكرى انطلاقة الجبهة نستذكر عملية الشهيد غسان كنفاني 

سينما (حين) – "تل أبيب" – والتي نُفذت في مثل هذا اليوم عام 1974 ( العيد السنوي السابع للجبهة) 

 بناءً على الأوامر الصادرة من قيادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تحركت مجموعة الشهيد (خالد أبو عيشة) لتنفيذ عملية الشهيد غسان كنفاني، فقامت باقتحام سينما (حين) "بتل أبيب" وفي الساعة العاشرة والثلث من مساء يوم الأربعاء 11/12/1974م (يوم العيد السابع للجبهة الشعبية)..
وقام أفراد المجموعة الأبطال بالإعلام عن وجودهم من على بلكون السينما، وصاحوا: أننا أعضاء في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين جئنا نكافح من أجل استرداد وطننا المغتصب الذي لن نفرط بأي شبر منه. ثم أعلن قائد المجموعة الرفيق البطل (مظفر): (أنه لن يكون هناك سلام على أرضنا إلا عندما يزول الكيان الصهيوني ويقوم المجتمع الديمقراطي على أرض فلسطين كل فلسطين).
ثم بدأت المجموعة بقذف عدد من القنابل اليدوية داخل القاعة مما أدى إلى خسائر فادحة بين أفراد العدو.
وبعد ذلك أصدر قائد المجموعة أوامره لرفاقه بالانسحاب، وتابع بنفسه تنفيذ المهمة بإلقاء المزيد من القنابل اليدوية، ثم اقتحم التجمع المتدافع على مخرج الدار وفجّر الحزام الناسف الذي كان يربطه في وسطه، بنفسه وبالحشد الأمر الذي زاد من عدد خسائر العدو، وتمكن بقية أفراد المجموعة من العودة إلى قواعدهم سالمين، بعد أن اقتحموا قلب العدو ونفذوا عمليتهم بجرأة في ميدان (ديزنغون) في وسط "تل أبيب".

 ياجماهير شعبنا الفلسطيني، 
ياجماهير أمتنا العربية،
إن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي عاهدتكم على الاستمرار في الكفاح المسلح وتصعيده حتى تحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني، تؤكد بدماء أبطالها التي تروي هذا التراب، أنها ستظل وفية للعهد أمينة لأرواح شهدائها الأبطال أمانتها لحقوق شعبنا وآماله، فتتابع توجيه ضرباتها ضد الكيان العنصري الاستيطاني الغاصب وكل القوى الإمبريالية والرجعية التي تحاول فرض الذل والاستسلام على شعبنا وأمتنا.
إن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي حددت موقفها السياسي الثوري المستجيب لمصالح شعبنا وأمتنا وحقوقهما الوطنية والقومية والتقدمية، الموقف الرافض للتسويات الاستسلامية الرافض للاعتراف بالكيان الصهيوني الغاصب فوق أي شبر من أرض الوطن الفلسطيني المحتل، الرافض لعملية بسط النفوذ والهيمنة الامبريالية والصهيونية والرجعية على وطننا العربي الكبير.
إن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي حددت هذا الموقف الثوري، تؤكد عهدها على مواصلة ضرب العدو الصهيوني داخل الوطن المحتل وخارجه وتشدد على النقاط التالية:
1- إن الامبريالية العالمية بزعامة الإمبريالية الأميركية بشكل خاص تسعى إلى تمرير مؤامرة تصفية قوى الثورة الفلسطينية العربية، لفرض الاستسلام على جماهيرنا وبسط النفوذ على وطننا وثرواته.
2- إن هذه المحاولة التصفوية تسعى إلى العبور من خلال تنفيذ القرار 242 التصفوي الذي ينص صراحة على الاعتراف "بإسرائيل" وضمان أمنها وحدودها وإنهاء حالة الحرب معها (وليس فقط على التعامل مع شعبنا كمجموعة من اللاجئين!).
3- إن الأنظمة الرجعية والمستسلمة وهي تسير في مجرى التسوية الخياني، تمهد الطريق واسعاً أمام عملية بسط النفوذ الإمبريالي والصهيوني على وطننا العربي.
4- إن قيادة منظمة التحرير التي ربطت تحركاتها بتحركات الأنظمة المستسلمة ومسارها، تسير في طريق متدرج باتجاه الانخراط في المخطط التصفوي وطريق الاعتراف "بإسرائيل".
ياجماهير شعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية، إن مواجهة هذه المؤامرة التصفوية الكبرى، يتطلب منا وعياً سياسياً وتنبهاً لكافة المحاولات الرامية إلى تدجين المقاومة الفلسطينية كمقدمة لتصفيتها كثورة، وجرها ككيان فوقي مجوف مستسلم إلى الصف الآخر، صف الأدوات التي تستخدمها الإمبريالية في ضرب شعبنا وقواه الثورية المناضلة.
إن الطريق الذي سار عليه الشهيد البطل (مظفر) ورفاقه لضرب قلب العدو الصهيوني، هو في نفس الوقت الطريق لنسف مؤامرة التصفية والاستسلام وإحباطها، وتصعيد ثورتنا على طريق الانتصار والتحرير. وعهد علينا جميعاً أن نظل أوفياء لهذه المسيرة المروية بدماء شهدائنا الأبرار، وتضحيات شعبنا البطل وأمتنا المكافحة.

 العمليات الخاصة وحرب الشعب:
كانت عملية الشهيد غسان كنفاني إحدى العمليات الخاصة التي خططت لضرب العدو الصهيوني في قلبه وإنزال خسارة فادحة في صفوفه. ونجاح هذه العملية وغيرها من العمليات الخاصة لا يبعد عن أذهان ثوار فلسطين وجماهيرنا أن خط العمل العسكري السليم هو حرب العصابات التي ترهق العدو وتنزل بصفوفه الخسارة، بأقل ثمن ممكن، وإن توالي هذه الضربات الصغيرة يومياً وفوق الأرض الفلسطينية كلها لاينسينا إطلاقاً نجاح بحرية قطاع غزة التي قادتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والتي استطاع الثوار خلالها السيطرة على القطاع باعتراف العدو وإقامة أوثق العلاقات مع الجماهير.
إلا أن تأكيد هذ الناحية المبدئية لن يغنينا عن تسجيل بعض الملاحظات حول عملية الشهيد غسان كنفاني البطولية:
1- كانت هذه العملية مهمة جداً من حيث الموقع الجغرافي الذي نفذت فيه. فقد نفذها ثوار الجبهة الشعبية في "تل أبيب" وفي المنطقة الأكثر ازدحاماً – "ميدان ديزنجوف" – وهذه دلالة على قدرة الجبهة الشعبية على الوصول إلى قلب العدو الصهيوني محطمة بذلك ادعاءات العدو بأن الثورة الفلسطينية تضرب على «القشرة» لعدم قدرتها على الوصول إلى الداخل، أو لعدم وجود تنظيم لها داخل الأرض المحتلة. إن الضرب في التجمع السكاني الضخم – "تل أبيب" لا يسمح المجال إطلاقاً للعدو بالتقليل من خسائره التي حاول في أثناء العمليات السابقة في المستعمرات تصوير هذه الخسائر بأنها بسيطة جداً.
2- عملية الشهيد غسان كنفاني أثبتت قدرة الثوار الفلسطينيين على ضرب مفاصل العدو العميقة والاختفاء. فقد استطاع ثلاثة من ثوار فلسطين الذين شاركوا في تنفيذ العملية الاختفاء ولم تستطع "إسرائيل" رغم حملة الاعتقالات الواسعة أن تعتقلهم أو أن تمسك بخيط واحد. وهذا دليل آخر على قدرة الثوار الفلسطينيين على بناء علاقات وثيقة مع الجماهير داخل الأرض المحتلة، وهذا أيضاً دليل آخر ينفي ادعاءات العدو الصهيوني بعدم قدرة الثورة الفلسطينية على بناء تنظيماتها داخل الأرض المحتلة.
3- جاءت  عملية الشهيد غسان كنفاني لتقدم برهاناً جديداً على قدرة العقل الفلسطيني على التخطيط الذي يعجز العدو الصهيوني عن ملاحقته إلا بعد فترة، وهذا تصعيد في النوع يجعل العدو يلهث وراء قفزات الثورة في التخطيط النوعي.
وأظهرت هذه العملية أيضاً فشل المخابرات الصهيونية وإجراءاتها الأمنية في منع الثوار الفلسطينيين من ضرب معاقل العدو الصهيوني وإلحاق الخسائر بصفوفه.
4- لقد أثبتت عملية الشهيد غسان كنفاني قدرة الجبهة الشعبية على ضرب العدو في مواقعه الحساسة وهذا يشكل كما قلنا قفزة نوعية في العمليات العسكرية. والسؤال الذي يطرح نفسه ماذا لو تضافرت قوى الثورة للعمل الجاد ضد العدو الصهيوني في فلسطين المحتلة؟
لاشك أن وضع الطاقات في خدمة بناء تنظيم الثورة في الأرض المحتلة، وتأمين متطلبات النضال له سيحدث قفزة نوعية وكمية في عملية التصدي للعدو، مما يضع التسوية الاستسلامية في زاوية، ويهيئ الجماهير العربية ويشحذها للانتفاضة، على مشاريع التسوية الخيانية.
على ضوء النقاط الأربع أعلاه، يمكننا فهم ردود الفعل على هذه العملية على الصعيدين الفلسطيني العربي وصعيد العدو الصهيوني.

 ردود الفعل الصهيونية الأولية:
أحدثت عملية غسان كنفاني ردود فعل عنيفة داخل تجمع المستوطنين الصهاينة، وداخل الحكومة الإسرائيلية. فقد أُقصي مدير المخابرات العامة، وأسند منصب كبير في القوات الاحتياطية إلى الجنرال "شارون".
وعلى صعيد المستوطنين الصهاينة أنفسهم نترك للإذاعة الإسرائيلية ولوكالات الأنباء أن تنقل لنا ردود الفعل على هذه العملية. فقد نقل ""ميخائيل هولر مراسل الإذاعة الإسرائيلية تقريراً أولياً عن العملية جاء فيه: «سمعت في سينما (حين) أربعة انفجارات، ولقد أضيئت القاعة من الانفجارات...
ولم تعمل أضواء الطوارئ كما تحطمت الأضواء العادية، وبدأ المشاهدون بالخروج تحت جنح الظلام بصورة غير منتظمة، وحتى الآن عُلم أن هناك 44 جريحاً بعضهم مصاب بإصابات بالغة، ويوجد عشرة من الجرحى الآن في غرف العمليات في المستشفيات في المدينة.
ووصلت إلى المكان قوات الأمن بسرعة، وبدأت تطوق الميدان، وانقض المارة على القاعة، وبدؤوا بإخلاء الجرحى، وحمل بعضهم الجرحى على ألواح خشبية، وأبواب، وحمل البعض الآخر بالأيدي»
وتتبع مراسل الإذاعة "الإسرائيلية بني رون" نشاط الشرطة في منطقة "تل أبيب"، فور انتهاء العملية وأفاد في تقريره:
«تحت الأمطار التي لم تكف عن الهطول، مازال مئات من الأشخاص يتجمهرون حول حواجز الشرطة التي وضعت قرب سينما «حين». كما أن "ميدان ديزنجوف" نفسه مغلق بعشرات من السيارات الأمنية، وسيارات الإنقاذ من مختلف أنواعها، كما أن الجماهير المتجمعة منفعلة تماماً، والشائعات تأتي من كل اتجاه، وبالذات عن «مخرب» واحد، وأن معظم المتجمهرين هم من الذين كانوا في الحفلة الثانية في سينما حين، ويجري التحقيق معهم من الشرطة.
وقبل دقائق معدودة، وصل إلى المكان قائد المنطقة الوسطى العميد "يونا افرات"، يرافقه عدد من كبار الضباط من أسلحة مختلفة، وعدد من ضباط الشرطة، كما أن الشرطة مستمرة طوال الوقت بجمع المعلومات من المتجمهرين.
ويحاول الشرطة بتهدئة مجموعات من الشباب الذين يصرخون في كل اتجاه (ابن المخرب).
كما أن الشرطة مستمرة باعتقال متهمين آخرين، واعتقل بعضهم كي لا يضرب في الشارع.
وقالت وكالة «رويتر» أن الإسرائيليين لم ينتبهوا للهجوم على دار السينما إلا بعد أن سمعوا زعيق سيارات البوليس والإطفاء والإسعاف التي انطلقت عبر شارع "ديزنجوف" الرئيسي في "تل أبيب"، وإن رواد دار السينما خرجوا منها والدماء تسيل منهم.
وأبلغ جريح يدعى "إلياهو مزراحي" الوكالة أن الفدائي كان يجلس في الصف الرابع الأمامي في بلكون السينما. وأضاف: شاهدت الرجل يلقي القنابل وقد ارتميت أنا وصديقي على الأرض، وأصبت بجروح في ساقي الاثنتين، ثم رأيت الرجل ينسف نفسه.
وحاولت مصادر خبراء المتفجرات التضليل بقولها أن الفدائي قذف قنبلتين لكن يبدو أنه ضرب الحائط بيده وهو على وشك قذف قنبلة ثالثة، وانفجرت هذه القنبلة ومزقته. في حين ساهمت أيضاً الإذاعة الإسرائيلية بنقل رواية ثانية ملفقة على لسان «متفرج» من رواد السينما، الذي ألقى بنفسه على الفدائي وسقط الرجلان وسط انفجار هائل.


 تقرير من داخل الأرض المحتلة
يتحدث عن قتلى ضباط في المخابرات الإسرائيلية في عملية سينما (حين)

أحدثت عملية الشهيد غسان كنفاني في سينما (حين) "بتل أبيب" خسائر فادحة في الأرواح في صفوف العدو، وقد حاول العدو جاهداً إخفاء خسائره. وخلال هذا الأسبوع وصل (الهدف) تقرير من داخل الأرض المحتلة يفيد أن عدداً كبيراً من المستوطنين الصهاينة قد قتل نتيجة للعملية البطولية، ومن بين الذين قتلوا ثلاثة عناصر من رجال المخابرات هم:
1- "إسحق بن اهرون"، برتبة ضابط من سكان الخضيرة.
2- "فارس رشراش" من قرية بيت جن، وبرتبة امباشي، له من العمر 40 سنة ومتزوج من امرأة من مدينة يافا.
3- "إسحق يوسف" وهو من عناصر الأمن الداخلي برتبة شاويش، يهودي مصري، وقد قتل هو وزوجته.
هذا ولا تزال الصحف الإسرائيلية تواصل تعليقاتها على العملية البطولية. وشدد "حاييم ايزاك" (دافار 16/12/1974) على صعوبة تنظيم حماية محكمة، ودعا (الشعب) والقيادة السياسية إلى عدم فقدان اتزانهما. وأضاف: على أي حال، إن ضربات المخربين لا تشكل خطراً على وجود الدولة، وينبغي ألا تأخذ ردود الفعل عليها أبعاداً مبالغاً فيها، تنطوي على تصعيد النزاع مع جيوش الدول المجاورة.. ويجب ألا نمنح المخربين مرادهم الأساسي: إجبارنا على حرب لانريدها.
12/12/1974م
الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.